سورة التوبة - تفسير تفسير البيضاوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التوبة)


        


{كَيْفَ} تكرار لاستبعاد ثباتهم على العهد أو بقاء حكمه مع التنبيه على العلة وحذف الفعل للعلم به كما في قوله:
وَخَبَّرتماني أَنَّما الموْتُ بِالقُرَى *** فَكَيْفَ وَهَاتَا هَضْبَةٌ وَقَلِيبُ
أي فكيف مات. {وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ} أي وحالهم أنهم إن يظفروا بكم. {لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ} لا يراعوا فيكم. {إِلا} حلفاً وقيل قرابة قال حسان:
لَعَمْرُكَ إِنَّ إِلَّكَ مِنْ قُرَيْش *** كَإِلَّ السَّقْبِ مِنْ رَأَلِ النَّعَامِ
وقيل ربوبية ولعله اشتق للحلف من الإِل وهو الجؤار لأنهم كانوا إذا تحالفوا رفعوا به أصواتهم وشهروه، ثم استعير للقرابة لأنها تعقد بين الأقارب ما لا يعقده الحلف، ثم للربوبية والتربية. وقيل اشتقاقه من ألل الشيء إذا حدده أو من آل البرق إذا لمع. وقيل إنه عبري بمعنى الإِله لأنه قرئ إيلا كجبرئل وجبرئيل. {وَلاَ ذِمَّةً} عهداً أو حقاً يعاب على إغفاله. {يُرْضُونَكُم بأفواههم} استئناف لبيان حالهم المنافية لثباتهم على العهد المؤدية إلى عدم مراقبتهم عند الظفر، ولا يجوز جعله حالاً من فاعل لا يرقبوا فإنهم بعد ظهورهم لا يرضون ولأن المراد إثبات إرضائهم المؤمنين بوعد الإِيمان والطاعة والوفاء بالعهد في الحال، واستبطان الكفر والمعاداة بحيث إن ظفروا لم يبقوا عليهم والحالية تنافيه {وتأبى قُلُوبُهُمْ} ما تتفوه به أفواههم. {وَأَكْثَرُهُمْ فاسقون} متمردون لا عقيدة تزعهم ولا مروءة تردعهم، وتخصيص الأكثر لما في بعض الكفرة من التفادي عن الغدر والتعفف عما يجر إلى أحدوثة السوء.


{اشتروا بئايات الله} استبدلوا بالقرآن. {ثَمَناً قَلِيلاً} عرضاً يسيراً وهو اتباع الأهواء والشهوات. {فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ} دينه الموصل إليه، أو سبيل بيته بحصر الحجاج والعمار، والفاء للدلالة على أن اشتراءهم أداهم إلى الصد. {إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} عملهم هذا أو ما دل عليه قوله.
{لاَ يَرْقُبُونَ فِى مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً} فهو تفسير لا تكرير. وقيل الأول عام في الناقضين وهذا خاص بالذين اشتروا وهم اليهود، أو الأعراب الذين جمعهم أبو سفيان وأطعمهم. {وَأُوْلَئِكَ هُمُ المعتدون} في الشرارة.
{فَإِن تَابُواْ} عن الكفر. {وَأَقَامُواْ الصلاة وَآتَوُاْ الزكواة فَإِخوَانُكُمْ فِى الدين} فهم إخوانكم في الدين لهم ما لكم وعليهم ما عليكم. {وَنُفَصّلُ الآيات لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} اعتراض للحث على تأمل ما فصل من أحكام المعاهدين أو خصال التائبين.
{وَإِن نَّكَثُواْ أيمانهم مّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ} وإن نكثوا ما بايعوا عليه من الإِيمان أو الوفاء بالعهود. {وَطَعَنُواْ فِى دِينِكُمْ} بصريح التكذيب وتقبيح الأحكام. {فقَاتَلُواْ أَئِمَّةَ الكفر} أي فقاتلوهم، فوضع أئمة الكفر موضع الضمير للدلالة على أنهم صاروا بذلك ذوي الرئاسة والتقدم في الكفر أحقاء بالقتل. وقيل المراد بالأئمة رؤساء المشركين فالتخصيص إما لأن قتلهم أهم وهم أحق به أو للمنع من مراقبتهم. وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي و(رُوحُ) عن يعقوب أئمة بتحقيق الهمزتين على الأصل والتصريح بالياء لحن. {إِنَّهُمْ لا أيمان لَهُمْ} أي لا أيمان لهم على الحقيقة وإلا لما طعنوا ولم ينكثوا، وفيه دليل على أن الذمي إذا طعن في الإِسلام فقد نكث عهده، واستشهد به الحنفية على أن يمين الكافر ليست يميناً وهو ضعيف لأن المراد نفي الوثوق عليها لا أنها ليست بأيمان لقوله تعالى؛ {وَإِن نَّكَثُواْ أيمانهم} وقرأ ابن عامر لا أيمان لهم بمعنى لا أمان أو لا إسلام، وتشبث به من لم يقبل توبة المرتد وهو ضعيف لجواز أن يكون بمعنى لا يؤمنون على الإِخبار عن قوم معينين أو ليس لهم إيمان فيراقبوا لأجله. {لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ} متعلق ب {فقاتلوا} أي ليكن غرضكم في المقاتلة أن ينتهوا عما هم عليه لا إيصال الأذية بهم كما هو طريقة المؤذين.
{أَلاَ تقاتلون قَوْماً} تحريض على القتال لأن الهمزة دخلت على النفي للإنكار فأفادت المبالغة في الفعل. {نَّكَثُواْ أيمانهم} التي حلفوها مع الرسول عليه الصلاة والسلام والمؤمنين على أن لا يعاونوا عليهم فعاونوا بني بكر على خزاعة. {وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرسول} حين تشاوروا في أمره بدار الندوة على ما مر ذكره في قوله: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الذين كَفَرُواْ} وقيل هم اليهود نكثوا عهد الرسول وهموا بإخراجه من المدينة. {وَهُم بَدَءوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} بالمعاداة والمقاتلة لأنه عليه الصلاة والسلام بدأهم بالدعوة وإلزام الحجة بالكتاب والتحدي به، فعدلوا عن معارضته إلى المعاداة والمقاتلة فما يمنعكم أن تعارضوهم وتصادموهم.
{أَتَخْشَوْنَهُمْ} أتتركون قتالهم خشية أن ينالكم مكروه منهم. {فالله أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ} فقاتلوا أعداءكم ولا تتركوا أمره. {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} فإن قضية الإِيمان أن لا يخشى إلا منه.
{قاتلوهم} أمر بالقتال بعد بيان موجبه والتوبيخ على تركه والتوعيد عليه. {يُعَذّبْهُمُ الله بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ} وعد لهم إن قاتلوهم بالنصر عليهم والتمكن من قتلهم وإذلالهم. {وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ} يعني بني خزاعة. وقيل بطوناً من اليمن وسبأ قدموا مكة فأسلموا فلقوا من أهلها أذى شديداً فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أبشروا فإن الفرج قريب» {وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ} لما لقوا منهم وقد أوفى الله بما وعدهم والآية من المعجزات. {وَيَتُوبُ الله على مَن يَشَاء} ابتداء إخبار بأن بعضهم يتوب عن كفره وقد كان ذلك أيضاً، وقرئ: {وَيَتُوبَ} بالنصب على إضمار أن على أنه من جملة ما أجيب به الأمر فإن القتال كما تسبب لتعذيب قوم تسبب لتوبة قوم آخرين. {والله عَلِيمٌ} بما كان وما سيكون. {حَكِيمٌ} لا يفعل ولا يحكم إلا على وفق الحكمة.


{أَمْ حَسِبْتُمْ} خطاب للمؤمنين حين كره بعضهم القتال. وقيل للمنافقين و{أَمْ} منقطعة ومعنى الهمزة فيها التوبيخ على الحسبان. {أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ الله الذين جاهدوا مِنكُمْ} ولم يتبين الخلص منكم وهم الذين جاهدوا من غيرهم، نفى العلم وأراد نفي المعلوم للمبالغة فإنه كالبرهان عليه من حيث إن تعلق العلم به مستلزم لوقوعه. {وَلَمْ يَتَّخِذُواْ} عطف على {جاهدوا} داخل في الصلة. {مِن دُونِ الله وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ المؤمنين وَلِيجَةً} بطانة يوالونهم ويَفشون إليهم أسرارهم. وما في {لَّمّاً} من معنى التوقع منبه على أن تبين ذلك متوقع. {والله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} يعلم غرضكم منه وهو كالمزيج لما يتوهم من ظاهر قوله: {وَلَمَّا يَعْلَمِ الله}.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8